رغم الأجواء المتوترة التي تسيطر على المنطقة في أعقاب اتفاق وقف الحرب في غزة وتصاعد العمليات العسكرية في محافظات الضفة الغربية، حافظت شوارع القدس الشرقية على هدوء نسبي خلال الأسابيع الماضية، وسط تحركات إسرائيلية لاحتواء أي شرارة قد تعيد التوتر إلى المدينة عبر فرض سلسلة من الإجراءات الأمنية المشددة.

وبحسب وسائل إعلام عبرية، أصدرت الشرطة الإسرائيلية أوامر إبعاد بحق عدد من الزوار اليهود الذين خالفوا التعليمات داخل باحات المسجد الأقصى. ففي أحد الحوادث، تم توقيف زائر أدى صلوات علنية وارتدى ملابس دينية داخل الحرم، ليُمنع من الدخول لمدة أسبوع قابل للتمديد حتى ستة أشهر. كما اعتُقل زائر آخر لمحاولته النفخ في "الشوفار"، وهي أداة نفخ توراتية يُحظر استخدامها داخل الموقع.

وفي واقعة أثارت جدلاً واسعًا، ضبط موظفو الأوقاف الشهر الماضي مجموعة من المتشددين اليهود حاولوا إدخال ماعز وعدد من الحمام الحي إلى داخل باحات المسجد بهدف تقديمها كـ"قرابين". وتدخلت الشرطة الإسرائيلية سريعًا لإخراجهم، في حادثة تُعد الثالثة من نوعها خلال ستة أشهر، ما أعاد النقاش حول أهداف هذه المحاولات وتكرارها.

ووفق عاملين في دائرة الأوقاف الإسلامية، فقد تم إحباط العملية فور رصد المتسللين، حيث تدخل طاقم الأوقاف بمساندة عناصر الشرطة المنتشرة في المنطقة، وتم توقيف الشبان الذين يُتوقع صدور أوامر بمنعهم من دخول الحرم لفترات متفاوتة.

وتؤكد الشرطة الإسرائيلية أن هذه الإجراءات تهدف إلى "الحفاظ على النظام العام" ومنع أي أحداث قد تُفجّر الموقف في واحد من أكثر المواقع الدينية حساسية، مشددة على التزامها بما تصفه بـ"الوضع القائم" في المسجد الأقصى.

ورغم القيود المشددة، واصل الفلسطينيون حضورهم المكثف في المسجد، إذ قدرت دائرة الأوقاف الإسلامية أن نحو 60 ألف مصلٍ أدوا صلاة الجمعة الأخيرة في رحاب الأقصى، في مشهد يعكس استمرار الارتباط الشعبي بالمكان رغم الضغوط.

من جانبها، قالت جمعية "عير عميم" اليسارية الإسرائيلية إن الجماعات المتطرفة المعروفة بـ"جماعات الهيكل" تضخم الأرقام التي تروّجها حول محاولات الاقتحام، مؤكدة أن غالبية اليهود لا يدعمون إقامة الصلوات داخل المسجد. وأشارت إلى أن الشرطة الإسرائيلية رفضت مؤخرًا منح تصريح لـ"مسيرة المكابيين" التي دعت إليها هذه الجماعات خشية اندلاع مواجهات.

ويرى محللون أن هذه التطورات تكشف حساسية المرحلة، خصوصًا أن أي محاولة للمساس بالوضع القائم في الأقصى قد تشعل توترات داخلية وردود فعل إقليمية ودولية واسعة. ويقول المحلل السياسي الفلسطيني حسن سوالمة إن "الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تدرك أن تجاوز هذا الخط الأحمر سيحمل تداعيات خطيرة"، مضيفًا أن "الحكومة الحالية، على الرغم من توجهاتها المتشددة، لا تزال مضطرة للموازنة بين ضغوط حلفائها اليمينيين والرقابة الدولية".